عند الحائط الشرقي لقاعة (ماي أفريكا) للمعارض كان لقائي الأول ببيتر كولي، ممثل الملحق الثقافي لسفارة جنوب إفريقيا لوضع الخطوط العريضة لمعرض المصور العالمي كيفن كارتر
لم أكن لأعلم بأنني سأجلس بعيون متحجرة مستندا بظهري على ذات الحائط بعد هذا اللقاء بأكثر من شهرين في ليلة بللها المطر، والدموع
كان المعرض برعاية السفارة الجنوب أفريقية بالتنسيق مع كل من مؤسسة قلب أفريقيا و جمعية خبز و كتاب لصالح أطفال الحروب الأهلية في القارة السمراء، و لأسباب فنية تم تأجيل المعرض مرات عدة ، إلى أن رأى النور اليوم.
قمت بالاتصال بكيشا – مسئولة جمع التبرعات للجمعية – قرابة الساعة التاسعة و النصف من مساء اليوم للاطمئنان على مدى تفاعل الزوار ، فأخبرتني بلهجتها الكينية المميزة أن حصيلة التبرعات فاقت كل التوقعات حتى الآن و أن المعرض قد لاقى نجاحا لم تشهده الجمعية منذ تأسيسها في تسعينيات القرن الماضي، فاتفقنا على أن أمر لاصطحابها لمنزلها في العاشرة من أمام مدخل القاعة لسوء الأحوال الجوية و غزارة الأمطار، و لأسباب تقنية اصطحبت معي سائق هذه المرة.
لم أجد كيشا في انتظاري كما اتفقنا ، حاولت الاتصال بهاتفها المحمول و لكن ما من مجيب
دخلت مفتشا عنها، علها اتخذت قاعة المعارض حصنا لها من العاصفة الرعدية العنيفة التي كانت قد بدأت
في الداخل كانت تجلس وحيدة على كرسي خشبي صغير في منتصف القاعة ، محدقة في الصورة المعلقة بعناية وسط الحائط الغربي، واضعة يدها اليمنى على فمها ، تتمايل بجسدها تمايلا بطيئا رتيبا كجندول الساعة ذكرني بدراويش السيدة نفيسة
كانت تتمتم بكلمات إفريقية بلحن عجيب يتناغم و تمايلها الرتيب، يلمع وجهها الأسمر في الضوء الخافت للقاعة بدموع تنهمر كالسيل من عينين ملأهما نظرة هلع ، كأم فقدت وليدها في قلب إعصار مدمر
بهدوء اقتربت منها محاولا إشعارها بوجودي دون اقتحام خصوصيتها بهمجية، اجتزتها متجها للحائط الشرقي المقابل لمكان الصورة المعلقة، وقفت هناك برهة لا أدرى ما أفعل
استدرت ملاصقا ظهري للحائط، وجلست على الأرض تحت علامة ممنوع التدخين مباشرة، فأصبحت صورة الحائط الغربي أمامي مباشرة ، لا تفصلني عنها سوى كيشة بتمايلها و ترانيمها الكئيبة
لا أدرى كم جلست هكذا محدقا في الصورة.......أغمضت عيناي محاولا استحضار مشاعر كارتر وقت التقاطه لهذه الصورة.......... وقت وقوفه على بعد أمتار قليلة من هذه الطفلة في جنوب السودان....هل كان يفكر في طفلته التى تنتظر عودته للمنزل في جنوب أفريقيا؟.......هل كان يفكر في بشاعة الحروب الأهلية في القارة السمراء؟........أم كان يفكر في قسوة المجاعات و عارها على سائر البشرية؟
أصبحت ترانيم كيشا و بكائها جزء لا يتجزأ من الصورة و كأنها موسيقى تصويرية منطقية لمشهد الصورة التي منحت كارتر جائزة بوليتزر........أظنها أدركت هذا فأطلقت لنحيبها العنان
اشعلت سيجارتي الرابعة............مغمضا عيناي مرة أخرى......محاولا سماع صوت تصفيق الحضور مختلطا بالموسيقى التقليدية لحفلات استلام الجوائز الأمريكية............ علني رأيته مبتسما ابتسامة غامضة لعدسات زملائه من حوله..........رأيته يداعب طفلته من صباح اليوم التالي لاستلامه الجائزة.......يقلب في الصحف
يقرأ ما كان يخشاه.......ما كان يأرقه........ما كان يقتله منذ عودته من جنوب السودان
تمنى لو أن الزمن أعطاه الفرصة ليعود فيقف هناك مرة أخرى.......بقلبه لا بعدسته.....كإنسان لا كمصور صحفي.... مزقته الفكرة.... فعشقه لعمله و قناعته التامة بأهمية عدسته هي ما جعله يستشعر إنسانيته ...أكان حقا عليه أن يلقى بالة تصويره و يهب لنجدة تلك الطفلة؟ و لكنها واحدة من بين آلاف رآهم هناك....لقد كان يؤدي واجبه......وقد أداه على أكمل وجه.....نقل بشاعة الصورة إلى العالم، عله يتحرك
لم أكن لأعلم بأنني سأجلس بعيون متحجرة مستندا بظهري على ذات الحائط بعد هذا اللقاء بأكثر من شهرين في ليلة بللها المطر، والدموع
كان المعرض برعاية السفارة الجنوب أفريقية بالتنسيق مع كل من مؤسسة قلب أفريقيا و جمعية خبز و كتاب لصالح أطفال الحروب الأهلية في القارة السمراء، و لأسباب فنية تم تأجيل المعرض مرات عدة ، إلى أن رأى النور اليوم.
قمت بالاتصال بكيشا – مسئولة جمع التبرعات للجمعية – قرابة الساعة التاسعة و النصف من مساء اليوم للاطمئنان على مدى تفاعل الزوار ، فأخبرتني بلهجتها الكينية المميزة أن حصيلة التبرعات فاقت كل التوقعات حتى الآن و أن المعرض قد لاقى نجاحا لم تشهده الجمعية منذ تأسيسها في تسعينيات القرن الماضي، فاتفقنا على أن أمر لاصطحابها لمنزلها في العاشرة من أمام مدخل القاعة لسوء الأحوال الجوية و غزارة الأمطار، و لأسباب تقنية اصطحبت معي سائق هذه المرة.
لم أجد كيشا في انتظاري كما اتفقنا ، حاولت الاتصال بهاتفها المحمول و لكن ما من مجيب
دخلت مفتشا عنها، علها اتخذت قاعة المعارض حصنا لها من العاصفة الرعدية العنيفة التي كانت قد بدأت
في الداخل كانت تجلس وحيدة على كرسي خشبي صغير في منتصف القاعة ، محدقة في الصورة المعلقة بعناية وسط الحائط الغربي، واضعة يدها اليمنى على فمها ، تتمايل بجسدها تمايلا بطيئا رتيبا كجندول الساعة ذكرني بدراويش السيدة نفيسة
كانت تتمتم بكلمات إفريقية بلحن عجيب يتناغم و تمايلها الرتيب، يلمع وجهها الأسمر في الضوء الخافت للقاعة بدموع تنهمر كالسيل من عينين ملأهما نظرة هلع ، كأم فقدت وليدها في قلب إعصار مدمر
بهدوء اقتربت منها محاولا إشعارها بوجودي دون اقتحام خصوصيتها بهمجية، اجتزتها متجها للحائط الشرقي المقابل لمكان الصورة المعلقة، وقفت هناك برهة لا أدرى ما أفعل
استدرت ملاصقا ظهري للحائط، وجلست على الأرض تحت علامة ممنوع التدخين مباشرة، فأصبحت صورة الحائط الغربي أمامي مباشرة ، لا تفصلني عنها سوى كيشة بتمايلها و ترانيمها الكئيبة
لا أدرى كم جلست هكذا محدقا في الصورة.......أغمضت عيناي محاولا استحضار مشاعر كارتر وقت التقاطه لهذه الصورة.......... وقت وقوفه على بعد أمتار قليلة من هذه الطفلة في جنوب السودان....هل كان يفكر في طفلته التى تنتظر عودته للمنزل في جنوب أفريقيا؟.......هل كان يفكر في بشاعة الحروب الأهلية في القارة السمراء؟........أم كان يفكر في قسوة المجاعات و عارها على سائر البشرية؟
أصبحت ترانيم كيشا و بكائها جزء لا يتجزأ من الصورة و كأنها موسيقى تصويرية منطقية لمشهد الصورة التي منحت كارتر جائزة بوليتزر........أظنها أدركت هذا فأطلقت لنحيبها العنان
اشعلت سيجارتي الرابعة............مغمضا عيناي مرة أخرى......محاولا سماع صوت تصفيق الحضور مختلطا بالموسيقى التقليدية لحفلات استلام الجوائز الأمريكية............ علني رأيته مبتسما ابتسامة غامضة لعدسات زملائه من حوله..........رأيته يداعب طفلته من صباح اليوم التالي لاستلامه الجائزة.......يقلب في الصحف
يقرأ ما كان يخشاه.......ما كان يأرقه........ما كان يقتله منذ عودته من جنوب السودان
تمنى لو أن الزمن أعطاه الفرصة ليعود فيقف هناك مرة أخرى.......بقلبه لا بعدسته.....كإنسان لا كمصور صحفي.... مزقته الفكرة.... فعشقه لعمله و قناعته التامة بأهمية عدسته هي ما جعله يستشعر إنسانيته ...أكان حقا عليه أن يلقى بالة تصويره و يهب لنجدة تلك الطفلة؟ و لكنها واحدة من بين آلاف رآهم هناك....لقد كان يؤدي واجبه......وقد أداه على أكمل وجه.....نقل بشاعة الصورة إلى العالم، عله يتحرك
أكانت تلك القطرة الدافئة التي شعرت بها تسقط على يدي دمعة كارتر؟ أم أنها دمعة سقطت مني سهوا؟
وقفت متجها لكيشا بهدوء......فنظرت لي بابتسامة سمراء جميلة و قالت: فلنذهب من هنا...فطفلتي في انتظاري
جلست بجانب السائق و جلست كيشا في الخلف في طريقنا لمنزلها...كانت العاصفة في أشدها......تكلمت كيشا كثيرا عن المسيح، و كيف أنها رأت الله ...... لا أذكر معظم كلامها فقد كنت وقتها مغمضا عيناي أراقب اللحظات الاخيرة من حياة كارتر، عندما قرر بعد استلامه لجائزته بأسابيع قليلة أن يضع حدا لمعاناته و ألامه بيده.
هنا كان كارتر ، و كانت الطفلة
الطفلة التي بصقت في وجه الإنسانية......والنسر الذي شرب في نخبها
في الذكرى الثالثة عشر لصورة الحائط الغربي، و رحيل المصور الصحفي العالمي أقصد الإنسان كيفن كارتر
في الذكرى الثالثة عشر لصورة الحائط الغربي، و رحيل المصور الصحفي العالمي أقصد الإنسان كيفن كارتر
ملحوظة: جرعة كابة لابد منها، عشان مننساش احنا مين
الخرطوم في تاريخة