Friday, July 13, 2007

Day 87: حصدت جوائز......و أرواح



عند الحائط الشرقي لقاعة (ماي أفريكا) للمعارض كان لقائي الأول ببيتر كولي، ممثل الملحق الثقافي لسفارة جنوب إفريقيا لوضع الخطوط العريضة لمعرض المصور العالمي كيفن كارتر
لم أكن لأعلم بأنني سأجلس بعيون متحجرة مستندا بظهري على ذات الحائط بعد هذا اللقاء بأكثر من شهرين في ليلة بللها المطر، والدموع

كان المعرض برعاية السفارة الجنوب أفريقية بالتنسيق مع كل من مؤسسة قلب أفريقيا و جمعية خبز و كتاب لصالح أطفال الحروب الأهلية في القارة السمراء، و لأسباب فنية تم تأجيل المعرض مرات عدة ، إلى أن رأى النور اليوم.

قمت بالاتصال بكيشا – مسئولة جمع التبرعات للجمعية – قرابة الساعة التاسعة و النصف من مساء اليوم للاطمئنان على مدى تفاعل الزوار ، فأخبرتني بلهجتها الكينية المميزة أن حصيلة التبرعات فاقت كل التوقعات حتى الآن و أن المعرض قد لاقى نجاحا لم تشهده الجمعية منذ تأسيسها في تسعينيات القرن الماضي، فاتفقنا على أن أمر لاصطحابها لمنزلها في العاشرة من أمام مدخل القاعة لسوء الأحوال الجوية و غزارة الأمطار، و لأسباب تقنية اصطحبت معي سائق هذه المرة.

لم أجد كيشا في انتظاري كما اتفقنا ، حاولت الاتصال بهاتفها المحمول و لكن ما من مجيب

دخلت مفتشا عنها، علها اتخذت قاعة المعارض حصنا لها من العاصفة الرعدية العنيفة التي كانت قد بدأت

في الداخل كانت تجلس وحيدة على كرسي خشبي صغير في منتصف القاعة ، محدقة في الصورة المعلقة بعناية وسط الحائط الغربي، واضعة يدها اليمنى على فمها ، تتمايل بجسدها تمايلا بطيئا رتيبا كجندول الساعة ذكرني بدراويش السيدة نفيسة
كانت تتمتم بكلمات إفريقية بلحن عجيب يتناغم و تمايلها الرتيب، يلمع وجهها الأسمر في الضوء الخافت للقاعة بدموع تنهمر كالسيل من عينين ملأهما نظرة هلع ، كأم فقدت وليدها في قلب إعصار مدمر
بهدوء اقتربت منها محاولا إشعارها بوجودي دون اقتحام خصوصيتها بهمجية، اجتزتها متجها للحائط الشرقي المقابل لمكان الصورة المعلقة، وقفت هناك برهة لا أدرى ما أفعل

استدرت ملاصقا ظهري للحائط، وجلست على الأرض تحت علامة ممنوع التدخين مباشرة، فأصبحت صورة الحائط الغربي أمامي مباشرة ، لا تفصلني عنها سوى كيشة بتمايلها و ترانيمها الكئيبة

لا أدرى كم جلست هكذا محدقا في الصورة.......أغمضت عيناي محاولا استحضار مشاعر كارتر وقت التقاطه لهذه الصورة.......... وقت وقوفه على بعد أمتار قليلة من هذه الطفلة في جنوب السودان....هل كان يفكر في طفلته التى تنتظر عودته للمنزل في جنوب أفريقيا؟.......هل كان يفكر في بشاعة الحروب الأهلية في القارة السمراء؟........أم كان يفكر في قسوة المجاعات و عارها على سائر البشرية؟

أصبحت ترانيم كيشا و بكائها جزء لا يتجزأ من الصورة و كأنها موسيقى تصويرية منطقية لمشهد الصورة التي منحت كارتر
جائزة بوليتزر........أظنها أدركت هذا فأطلقت لنحيبها العنان

اشعلت سيجارتي الرابعة............مغمضا عيناي مرة أخرى......محاولا سماع صوت تصفيق الحضور مختلطا بالموسيقى التقليدية لحفلات استلام الجوائز الأمريكية............ علني رأيته مبتسما ابتسامة غامضة لعدسات زملائه من حوله..........رأيته يداعب طفلته من صباح اليوم التالي لاستلامه الجائزة.......يقلب في الصحف
يقرأ ما كان يخشاه.......ما كان يأرقه........ما كان يقتله منذ عودته من جنوب السودان
تمنى لو أن الزمن أعطاه الفرصة ليعود فيقف هناك مرة أخرى.......بقلبه لا بعدسته.....كإنسان لا كمصور صحفي.... مزقته الفكرة.... فعشقه لعمله و قناعته التامة بأهمية عدسته هي ما جعله يستشعر إنسانيته ...أكان حقا عليه أن يلقى بالة تصويره و يهب لنجدة تلك الطفلة؟ و لكنها واحدة من بين آلاف رآهم هناك....لقد كان يؤدي واجبه......وقد أداه على أكمل وجه.....نقل بشاعة الصورة إلى العالم، عله يتحرك



أكانت تلك القطرة الدافئة التي شعرت بها تسقط على يدي دمعة كارتر؟ أم أنها دمعة سقطت مني سهوا؟

وقفت متجها لكيشا بهدوء......فنظرت لي بابتسامة سمراء جميلة و قالت: فلنذهب من هنا...فطفلتي في انتظاري

جلست بجانب السائق و جلست كيشا في الخلف في طريقنا لمنزلها...كانت العاصفة في أشدها......تكلمت كيشا كثيرا عن المسيح، و كيف أنها رأت الله ...... لا أذكر معظم كلامها فقد كنت وقتها مغمضا عيناي أراقب اللحظات الاخيرة من حياة كارتر، عندما قرر بعد استلامه لجائزته بأسابيع قليلة أن يضع حدا لمعاناته و ألامه بيده.

هنا كان كارتر ، و كانت الطفلة


الطفلة التي بصقت في وجه الإنسانية......والنسر الذي شرب في نخبها

في الذكرى الثالثة عشر لصورة الحائط الغربي، و رحيل المصور الصحفي العالمي أقصد الإنسان كيفن كارتر


ملحوظة: جرعة كابة لابد منها، عشان مننساش احنا مين



الخرطوم في تاريخة


Thursday, July 5, 2007

Day 78: تلخيص الابريز لما خلقتك تلبس في البربريز

ورد في مقدمة كتاب "وصايا الترحال" للعبدلله

و اضرب في الأرض سائحا و هائما و مخيما، اضرب في الأرض و احذرهم
أسد جبلي جائع
دب قطبي غاضب
جمل سوداني مش مستعجل

من الواضح إن العبدلله مقراش المقدمه كويس

انا خلاص في نص الطريق الدائري، يعني قدامي تلت ساعة إن شاء الله كده و أوصل، إتحرك انت كمان عشر دقايق بالظبط، هقابلك قدام باب البنك و نطلع سوا، سلام يا ميزو

ياسلاااام ، متعة فعلا السواقة في الجو ده، هواء نقي منعش، ريحة الأرض بعد يوم كامل من المطر العنيف بتبقى ساحرة بجد، و يا سيدي على مزيكة زياد رحباني و الافكار الجميلة اللي في دماغ الواحد بقالها كام يوم
الاسبوع الأول خلاص بيخلص، عدى بسرعة قوي بصراحة، يمكن عشان لما رجعت من الأجازة لقيت مشاكل كتير جدا مستنياني في الشغل فأخدت كل وقتي، يمكن لأن مودي حلو قوي اليومين دول عشان لسه شاحن البطارية في الأجازة، و يمكن عشان الجو الاسبوع ده كان جديد عليا في السودان
مطر و غيام طول اليوم بكميات تجارية، و انا من عشاق الشتا – اللي هو المطر بس بلهجتي السكندرية العريقة- قمة الاستمتاع الصراحة، هي الميه اللي نازلة ممكن تسلق فيها بيض صحيح بس برضه شتا يعني، و اهو برضه تغيير، كفاية أومليت بقى

الطريق الدائري بيربط المنطقة الصناعية بتقريبا كل حته في الخرطوم، و انا كان ميعادي في وسط المدينة ، بس حبيت اهرب من زحمة مداخل الخرطوم بسبب المطر، فاخذت طريق تاني اطول شوية بس فاضي
هو مكانش فاضي قوي الصراحة

سرعة عادية جدا تتناسب مع حالة الهدوء النسبي اللي انا فيها حاليا، و از فجأة قرر ابن الدزمة يعدي الشارع مرة واحده


أؤمن بالواقعية
أعشق المنطق
و لا أفهم إلا النقاش الموضوعي

انا عارف انك مش هتعرف ترد عليا، لأسباب إحنا الاتنين عارفينها كويس
مش عايزك ترد، بس عايزك كده لما تقعد مع نفسك بالليل، تحاول تسأل نفسك الكام سؤال دول، و خليك صادق مع نفسك في الإجابة، عشان على الأقل تكسب إحترامك لذاتك و كينونتك

أنا ليه عديت الشارع أساسا؟؟؟
في ظل حيز إهتماماتي ،الناحية التانية فرقت إيه عن أم الناحية دي ؟
هو انا ليه بعدي الشارع على أقل من مهلي كده و كأني قايم أدخل حمام بيتنا بالليل؟
هل توقفي عن المشي في نص الشارع و نظرتي بابتسامة بلهاء لمصدر كلاكس العربية اللي كانت جاية عليا دي هو اللي أنقذني من موت أكيد؟
هو فيه علاقة بين الميه اللي على الأرض و صوت الفرملة و دوران العربيات و السيرك القومي؟
هو لما العربية تقعد تلف كده و تخبط في مقطورة راكنه على جنب و انا أكمل مشي عادي كده تبقى قلة زوق مني؟
هو فعلا فيه علاقة بين الديك و بين ابويا زي ما الشخص اللي طلع من العربية المخبوطة دي كان بيقول؟
و أهم من ده كله، هو انا ليه فيه على ضهري سنم؟
هو انا كائن غبي فعلا، ولا دي عنصرية حقيرة من الأخ ده؟


الحمد لله جات سليمة، شوية خدوش و رتوش خفيفة، مع شرخ خفيف جدا في اليد و كره دائم للجمال.

ملحوظة: بما إن دي تاني حادثة سيارة ليا في الخرطوم، و تالت حادثة ليا في شهرين و نص، فقد تأكددت شكوكي أن الشارع العربي في أمس الحاجة إلى إصلاح حقيقي، و سفلته أنضف شوية

الخرطوم في تاريخة